السودان- صراعات داخلية وتدخلات خارجية وفيتو يعقد الحل.
المؤلف: عبدالرحمن الطريري11.04.2025

في الخامس عشر من أبريل من العام المنصرم، تفجرت شرارة الصراع في السودان بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، ولكن سرعان ما تراجعت أهمية هذا النزاع في سلم أولويات الأخبار العالمية خلال أسابيع قليلة. بالكاد يُطالع المرء خبراً عن السودان أسبوعياً، إذ استحوذت قضايا ملحة أخرى كأحداث غزة ولبنان، والانتخابات الرئاسية الأمريكية المرتقبة، بالإضافة إلى الصراع الروسي الأوكراني المستمر، على اهتمام وسائل الإعلام والجمهور على نطاق أوسع.
السودان، تلك البلاد الغنية بمواردها الطبيعية وأهلها الكرام المثقفين، لطالما ارتبط اسمها بالاضطرابات والصراعات. ففي عام 1955، اندلعت الحرب الأهلية الأولى التي استمرت حتى عام 1972، مخلفةً جروحاً غائرة بين الشمال والجنوب. ولم يكد السودان يتعافى من هذه الجراح حتى اشتعلت الحرب الأهلية الثانية في عام 1983، وامتدت بدورها حتى عام 2005.
إن الصراع الراهن ما هو إلا وليد لعدة عوامل متشابكة، من بينها الأوضاع الاقتصادية المتردية، التدخلات الخارجية المتزايدة، والطمع في اقتسام النفوذ قبل أوانه. فمنذ عام 2019، وهو العام الذي أطاح فيه الجيش بعمر البشير، شهد السودان محاولات عدة للعبور نحو انتقال سلمي للسلطة، وتشكيل حكومات انتقالية مشتركة تجمع بين المدنيين والعسكريين.
إلا أن اندلاع القتال في أبريل من العام الماضي قد قضى على كل تلك الآمال والفرص. على الرغم من أن المشاهد التي صاحبت انطلاق ثورة 2018 وحتى سقوط البشير كانت تبعث على التفاؤل والفرح، وأظهرت للعالم أن الشعب السوداني شعب مسالم ومتحضر، يمتلك القدرة على التغيير والإصلاح. لقد كانت السودان ولبنان، وإلى حد ما العراق، شركاء في حراك عام 2018، الذي لم يفض في نهاية المطاف إلى نتائج ملموسة سوى في السودان، حيث أسفر عن إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين.
تاريخياً، يشبه السودان إلى حد كبير سورية قبل عهد الرئيس حافظ الأسد، وذلك بسبب كثرة الانقلابات العسكرية التي شهدتها البلاد. ففي عام 1989، قام عمر البشير بانقلاب عسكري على حكومة الصادق المهدي، ليظل قابضاً على السلطة في السودان لمدة ثلاثة عقود متتالية. تميزت فترة حكمه بالصراعات الداخلية، وفرض قوانين الطوارئ، وإجراء انتخابات محسومة النتائج مسبقاً، بالإضافة إلى تصاعد حدة الصراعات في إقليم دارفور، مما أدى في نهاية المطاف إلى تقسيم السودان، وخضوع الخرطوم لعقوبات دولية قاسية، فاقمت من تعقيد الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتأزمة أصلاً بسبب النزاعات الدينية والقبلية.
منذ اللحظات الأولى لاندلاع الأزمة الحالية، سارعت أطراف إقليمية ودولية عدة، كالمملكة العربية السعودية، إلى التدخل والوساطة، حيث دعت الأطراف المتنازعة إلى اجتماع في جدة، بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار والعبور بالسودان إلى مرحلة انتقالية سلمية. وبالطبع، بذلت جهود مماثلة من قبل الاتحاد الأفريقي ومصر، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ولكن تعنت الأطراف المتصارعة حال دون تحقيق أي تقدم ملموس نحو الحل.
على الرغم من كل المناوشات والخلافات التي تشوب الحملات الانتخابية للمرشحين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لم يكن الوضع في السودان أبداً موضوعاً رئيسياً للنقاش والجدل، إذ طغت عليه صراعات وقضايا أخرى أكثر إلحاحاً، كما ذكرنا سابقاً. ولكن اللافت للنظر هذا الأسبوع هو الدعوة التي وجهها رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، السيناتور بن كاردن، إلى إدارة الرئيس جو بايدن، لحثها على استغلال فرصة تولي الولايات المتحدة رئاسة مجلس الأمن الدولي خلال الشهر القادم، للضغط من أجل اتخاذ إجراءات "جريئة" تهدف إلى حل الأزمة السودانية المستعصية.
وشهد هذا الأسبوع أيضاً تحركاً من جانب بريطانيا، حيث تقدمت بالاشتراك مع سيراليون بمشروع قرار إلى مجلس الأمن، يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في السودان، والانخراط بحسن نية في حوار جاد يهدف إلى خفض التصعيد والتوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار على مستوى البلاد.
ويأتي هذا القرار في ظل تقارير مقلقة تتحدث عن تزايد المعاناة الإنسانية في السودان، وارتفاع أعداد القتلى إلى أكثر من 61 ألف شخص وفقاً لتقديرات كلية لندن للصحة، ومواجهة نصف السكان البالغ عددهم 48 مليون نسمة خطر المجاعة وسوء التغذية الحاد.
ولم يكن توقيت القرار هو الأمر الوحيد اللافت، بل إن استخدام روسيا لحق النقض (الفيتو) ضد القرار كان مفاجئاً أيضاً، وهو القرار الذي أثنت عليه الحكومة السودانية، معتبراً إياه قراراً معيباً لأنه لا يتضمن الحكومة الشرعية، كما اعتبرته فرضاً للوصاية على الشعب السوداني.
ويبقى السؤال المطروح: لماذا استخدمت روسيا حق الفيتو ضد هذا القرار، في حين وافقت عليه 14 دولة أخرى، على الرغم من إبدائها بعض الملاحظات على مسودة القرار؟ هل تعد هذه الخطوة بمثابة تقارب من جانب روسيا مع الجيش السوداني على حساب قوات الدعم السريع؟ ربما تتضح لنا الإجابة على هذا السؤال لاحقاً على شواطئ البحر الأحمر.
السودان، تلك البلاد الغنية بمواردها الطبيعية وأهلها الكرام المثقفين، لطالما ارتبط اسمها بالاضطرابات والصراعات. ففي عام 1955، اندلعت الحرب الأهلية الأولى التي استمرت حتى عام 1972، مخلفةً جروحاً غائرة بين الشمال والجنوب. ولم يكد السودان يتعافى من هذه الجراح حتى اشتعلت الحرب الأهلية الثانية في عام 1983، وامتدت بدورها حتى عام 2005.
إن الصراع الراهن ما هو إلا وليد لعدة عوامل متشابكة، من بينها الأوضاع الاقتصادية المتردية، التدخلات الخارجية المتزايدة، والطمع في اقتسام النفوذ قبل أوانه. فمنذ عام 2019، وهو العام الذي أطاح فيه الجيش بعمر البشير، شهد السودان محاولات عدة للعبور نحو انتقال سلمي للسلطة، وتشكيل حكومات انتقالية مشتركة تجمع بين المدنيين والعسكريين.
إلا أن اندلاع القتال في أبريل من العام الماضي قد قضى على كل تلك الآمال والفرص. على الرغم من أن المشاهد التي صاحبت انطلاق ثورة 2018 وحتى سقوط البشير كانت تبعث على التفاؤل والفرح، وأظهرت للعالم أن الشعب السوداني شعب مسالم ومتحضر، يمتلك القدرة على التغيير والإصلاح. لقد كانت السودان ولبنان، وإلى حد ما العراق، شركاء في حراك عام 2018، الذي لم يفض في نهاية المطاف إلى نتائج ملموسة سوى في السودان، حيث أسفر عن إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين.
تاريخياً، يشبه السودان إلى حد كبير سورية قبل عهد الرئيس حافظ الأسد، وذلك بسبب كثرة الانقلابات العسكرية التي شهدتها البلاد. ففي عام 1989، قام عمر البشير بانقلاب عسكري على حكومة الصادق المهدي، ليظل قابضاً على السلطة في السودان لمدة ثلاثة عقود متتالية. تميزت فترة حكمه بالصراعات الداخلية، وفرض قوانين الطوارئ، وإجراء انتخابات محسومة النتائج مسبقاً، بالإضافة إلى تصاعد حدة الصراعات في إقليم دارفور، مما أدى في نهاية المطاف إلى تقسيم السودان، وخضوع الخرطوم لعقوبات دولية قاسية، فاقمت من تعقيد الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتأزمة أصلاً بسبب النزاعات الدينية والقبلية.
منذ اللحظات الأولى لاندلاع الأزمة الحالية، سارعت أطراف إقليمية ودولية عدة، كالمملكة العربية السعودية، إلى التدخل والوساطة، حيث دعت الأطراف المتنازعة إلى اجتماع في جدة، بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار والعبور بالسودان إلى مرحلة انتقالية سلمية. وبالطبع، بذلت جهود مماثلة من قبل الاتحاد الأفريقي ومصر، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ولكن تعنت الأطراف المتصارعة حال دون تحقيق أي تقدم ملموس نحو الحل.
على الرغم من كل المناوشات والخلافات التي تشوب الحملات الانتخابية للمرشحين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لم يكن الوضع في السودان أبداً موضوعاً رئيسياً للنقاش والجدل، إذ طغت عليه صراعات وقضايا أخرى أكثر إلحاحاً، كما ذكرنا سابقاً. ولكن اللافت للنظر هذا الأسبوع هو الدعوة التي وجهها رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، السيناتور بن كاردن، إلى إدارة الرئيس جو بايدن، لحثها على استغلال فرصة تولي الولايات المتحدة رئاسة مجلس الأمن الدولي خلال الشهر القادم، للضغط من أجل اتخاذ إجراءات "جريئة" تهدف إلى حل الأزمة السودانية المستعصية.
وشهد هذا الأسبوع أيضاً تحركاً من جانب بريطانيا، حيث تقدمت بالاشتراك مع سيراليون بمشروع قرار إلى مجلس الأمن، يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في السودان، والانخراط بحسن نية في حوار جاد يهدف إلى خفض التصعيد والتوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار على مستوى البلاد.
ويأتي هذا القرار في ظل تقارير مقلقة تتحدث عن تزايد المعاناة الإنسانية في السودان، وارتفاع أعداد القتلى إلى أكثر من 61 ألف شخص وفقاً لتقديرات كلية لندن للصحة، ومواجهة نصف السكان البالغ عددهم 48 مليون نسمة خطر المجاعة وسوء التغذية الحاد.
ولم يكن توقيت القرار هو الأمر الوحيد اللافت، بل إن استخدام روسيا لحق النقض (الفيتو) ضد القرار كان مفاجئاً أيضاً، وهو القرار الذي أثنت عليه الحكومة السودانية، معتبراً إياه قراراً معيباً لأنه لا يتضمن الحكومة الشرعية، كما اعتبرته فرضاً للوصاية على الشعب السوداني.
ويبقى السؤال المطروح: لماذا استخدمت روسيا حق الفيتو ضد هذا القرار، في حين وافقت عليه 14 دولة أخرى، على الرغم من إبدائها بعض الملاحظات على مسودة القرار؟ هل تعد هذه الخطوة بمثابة تقارب من جانب روسيا مع الجيش السوداني على حساب قوات الدعم السريع؟ ربما تتضح لنا الإجابة على هذا السؤال لاحقاً على شواطئ البحر الأحمر.
